الخميس، 27 سبتمبر 2012

عندما دخلت دمشق ....رأيت في وجوههم الرعب



كانت الساعة السابعة إلا ربعاً عندما وصلنا إلى مشارف دمشق وكان منظراً مهيباً أن ترى هذه المدينة العظيمة تستيقظ مع ساعات الصباح الأولى.
ولكن ما عكر هذا المنظر هو صوت انفجار رهيب هز أركان المدينة من كافة أرجائها ، ولم نكن نعرف بالضبط مصدر هذا الانفجار الضخم ، تسارعت الخطوات باتجاه مقر إقامتنا ولكن الذي حدث ليس بالأمر السهل على ما يبدو ، فقد اختلفت حركة السير في جميع أرجاء دمشق وتم إغلاق كافة المحاور المؤدية إلى وسط المدينة ، وأشد ما لفتني في تلك اللحظة هو رؤية وجوه مؤيدي الظلم والعدوان ، فقد كانت وجوههم خائفة مكفهرة مسودة.
نعم لقد رأيت في وجوههم الرعب والخوف والفزع ، لقد رأيت في أعينهم رهبة شديدة وكأن يوم الحساب قد جاء ليحصد رؤوسهم ، وكأنهم قد استفاقوا من عهرهم وعربدتهم ، وكأن سكرات الموت المخيفة قد باغتت قلوبهم فأوهنتها.
لم أرى رجال أمن النظام وشبيحته وزبانيته خائفين كما رأيتهم اليوم ، بل كان أكثر من الخوف ، إنه الفزع الممزوج بالرهبة والمعطر برائحة الموت.
لأول مرة أعبر حاجز أمنياً أسدياً دون أن أشعر بالخوف ، لأول مرة أشعر بأنني كسرت جبروتهم وحقدهم وكراهيتهم.... لكل ما هو إنساني ، لأول مرة أشعر بأنهم قد أسقط ما بأيديهم ،  فهم كالأنعام بل أضل لا تجد راعيها ، لأول مرة في دمشق الفيحاء أشعر بأن زبانية الأسد باتوا يتخبطون ببعضهم كالثيران المفجوعة التي لا تعرف كيف وأين تتجه ، لقد شاهدت الأجهزة الأمنية مهرعة فزعة لمكان الانفجار ، تتخبط فيما بينها دون تنسيق أو قيادة ، تخالهم على قلب رجل واحد ولكنك عندما تمعن النظر فيهم تجدهم متنافرين متضادين فاقدي الثقة فيما بينهم ولا يعرفون عدوهم من صديقهم ، تخالهم كقطيع الغنم المذعور من انقضاض الذئب عليهم.
وفي الحقيقة إنه ليس الذئب من سيقضي عليهم وعلى أمثالهم ، إنه الحق الذي منه يخافون.
ولكنه " الآن حصحص الحق " وأن  " الله لا يهدي الخائنين " ، " فهل من مدكر " صدق الله العظيم.
لقد رأيت هذه النظرات من قبل ، نعم لقد رأيتها في وجه ملك ملوك أفريقيا ، في عيني طاغية ليبيا عندما أخرجه الثوار الأبطال من المجاريير فقال لهم والخوف يملئ قلبه " شو في !!!!!!!!!!!!!! خيركم خيركم أنا أبوكم " ، وكأنه استفاق فجأة من غفلة عميقة استدامت 42 عاما من الحقد والطغيان واستعباد للحرائر والأحرار.
نعم هي نفسها تللك النظرة ، التي سوف أراها قريبا على وجه طاغية الشام ، عندما يخرجه الثوار من جحره ، طريداً ذليلاً منكسراً ، وقد تخلت أذنابه عنه كي تسعى بجلدها ، وهو يناشد الثوار ويقول لهم : "  يا شباب طولوا بالكم ، والله أنا ما دخلني ، يا شباب ........" ، عندها سيجيبه الثوار بصفعة على رقبته ويصرخون في وجهه " خرااااس .... ما بدنا نسمع منك ولا حرف " ، هنا سيطرق رأسه صاغرا ً منكسراً راكعاً تكاد جبهته تطأطئ الأرض ، مستسلماً لمصيره المحتوم.
هنا برقت عيناي واستحضرت روحي جميع أرواح شهداء الحرية والكرامة ، استحضرت روح حمزة الخطيب وإبراهيم القاشوش وغياث مطر و كل أطفال ونساء ورجال سوريا الذين استشهدوا على يد هذا السفاح المجرم ،وهم ينظرون إليه وهو ينال عقابه المستحق في الدنيا قبل الآخرة على ما جنت يداه ، كي تستريح أرواحهم وأرواح أحبائهم من بعدهم.
وإني أرى أن هذا اليوم ما هو ببعيد ، فصبراً إخوتي على ألم نال منا عقودا طويلة وآن له أن ينتهي ، ولا بد للفجر أن ينجلي .

عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر


الجمعة، 21 سبتمبر 2012

الانتخابات الأمريكية والثورة السورية




بنت قوى المعارضة السياسية السورية الكثير من الآمال على موقف غربي جاد وفاعل في دعم الثورة السورية، ولكن مجرى الأحداث أظهر جلياً وبعد ثمانية عشر شهراً أن الآمال والتمنيات لا تصنع الأمجاد.
سقطت الأقنعة عن من يدعي الديمقراطية والنزاهة وحماية حقوق الإنسان ، وبات الغرب اليوم مكشوفاً أكثر من أي وقت مضى أمام العالم أجمع ،ولم يعد مجدياً البتة التغطي والتلطي بالعبارات الطنانة والرنانة التي تدعي رياءً وصلافةً الوقوف بصف الشعوب وحقوقها في الحرية وتقرير شكل الحكم الذي تريده.
هذه الحقائق معلومة لدى بعض النخب، لكنها أصبحت حقيقية جليةً لدى الجميع ،ولن يستطيع الغرب اليوم أن يخدع حتى طفلاً سورياً بترهاته.
ولا يخفى على أحد بأن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تمثل القوة العظمى الأبرز في عالم اليوم ، وبأنها تعمل جاهدة ًمن أجل الحفاظ على هذه المكانة من خلال السيطرة على مناطق النفوذ ومناطق تواجد الموارد الطبيعية ومنابع النفط وذلك من خلال إنشاء تحالف مع السياسيين والحكام في تلك المناطق ، كذلك لا يخفى على أحد أن زرع الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط يؤمن لها الحفاظ على تحالفاتها وبالتالي سيطرتها على موارد تلك المنطقة.
ولكن لماذا لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن للقضاء على أحد أعضاء محور الشر والذي يشكل الحلقة الوسطى فيه مما يشكل إغراء لفرط عقد هذا المحور  " الشرير " بنظرهم  وتحطيم هذا النظام " الممانع " لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ؟
الجواب على هذا التساؤل المشروع يكمن في ثلاث نقاط :
-         إن هذا النظام  " الممانع " هو عبارة عن حشرة مزعجة لا غير ولكنها مفيدة لأنها تقتات على البكتريا والفطور الضارة التي ممكن أن تكون أكثر خطرا وممانعة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة ، ولذلك لم ترفع في السابق شعار تحطيم وإنهاء هذا النظام ، بل كانت تنادي  "بتغيير سلوك النظام " لكي يصبح أكثر انبطاحاً وليونة  ، أسوةً بجيرانه وزملائه .
-         إن التدخل لإنهاء الأزمة السورية بسرعة يعني بالضرورة خروج السوريين معافيين من جميع النواحي : الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والحفاظ على النسيج الاجتماعي الوطني ، والحفاظ على بنى الدولة وأجهزتها ....الخ ، وهذا يعني بأن سوريا سوف تتعافى بسرعة وتصبح أقوى مما كانت عليه ، وهو أمر غير سار نهائياً لربيبتها المزروعة في أرض تلفظها يوماً بعد يوم.
-         النقطة الثالثة تتمثل بإعادة رسم السياسات الخارجية في منطقة الشرق الأوسط بعد الزلزال المفاجئ لجميع القوى السياسية الفاعلة في العالم المعاصر ، وهذا الزلزال يتمثل بالربيع العربي الذي بات يهدد  مصالح تلك القوى بشكل أو بآخر  ولم يعد من المقبول اليوم السماح لهذا الربيع بالتقدم أكثر من ذلك لأنه بات يقترب شيئا فشيئا من خطوط حمراء تهدد مصالح تلك القوى ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا يبرز الاختلاف في طريقة رسم هذه السياسات بين الحزب الجمهوري الذي يمثله اليوم السيناتور ميت رومني والحزب الديمقراطي الذي يمثله الرئيس الامريكي الحالي بارك أوباما.
إن كلا الحزبين متفقين في الخطوط العريضة العامة للسياسة الخارجية الأمريكية ، ولكنهما يختلفان بالأسلوب .
لذلك علينا معرفة أسلوب كلا المرشحين في قيادة الملفات الخارجية ورسم السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يمكن تحديده من خلال ممارسات الإدارة الأمريكية الحالية ، أيضاً من خلال تصريحات المرشح الجمهوري وسياسات حزبه السابقة تجاه الملفات الخارجية.
-         لقد بنى الرئيس بارك أوباما المرشح الديمقراطي ، سياسات بلاده الخارجية على أساس مبدأ " القيادة من الخلف " وقد تعاطى بهذه السياسية مع الكثير من الملفات في منطقة الشرق الأوسط ومنها الثورة الليبية ، وقد يختلف الكثير من المحللين في تقييم نتائج ونجاعة هذه السياسة في تقوية مركز الولايات المتحدة الأمريكية وتعزيز مكانتها في العالم.
-         تقوم سياسة المرشح الجمهوري السيناتور ميت رومني على المجابهة والمواجهة مع استحقاقات الملفات الخارجية التي تواجه بلاده ، وقد أطلق أكثر من تصريح من خلال حملته الانتخابية يفيد بذلك ، وانتقد سياسة خصمه الخارجية والتي تخص قضايا منطقة الشرق الأوسط وقضية التعامل مع الخصم الروسي والصيني والتنافس على موارد العالم ، ولا يخفى على أحد بأن تاريخ الحزب الجمهوري حافل بمثل هذه المواجهات ، ولا ننسى حربي الخليج في القرن الماضي والحالي بقيادة الجمهوريين.
وعليه فإن سياسة أوباما في المنطقة تتجنب التدخل المباشر وتفضل القيادة من الخلف من أجل التقليل من أية خسائر سياسية أو اقتصادية قد تنجم عن التدخل المباشر ، حيث تضع نصب أعينها مثال العراق الذي أدى إلى نتائج سلبية جداً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
ولكن أي المرشحين يمكن أن يكون له دور مستقبلي في التأثير على مجريات الأحداث في سوريا ، وأي المرشحين سيشكل فوزه مصلحة مباشرة لسوريا المستقبل ؟
إن الثورة السورية الآن ليست بحاجة للتدخل العسكري الخارجي المباشر ، بل هي بحاجة لدعم عسكري نوعي وغطاء جوي يؤمن السيطرة والتقدم وتحقيق النقاط على الأرض مع القدرة على الحفاظ على المكتسبات الميدانية.
وهذا ما تخطط له السياسة الخارجية الأمريكية الحالية ، وما ستقوم به عند إحراز النصر في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ولكن الثورة السورية مستمرة سواء بدعم أو بغيره لأنها معتمدة على الله وعلى إمكانياتها الذاتية ، وهذا ما أثبتته الأيام الماضية وما ستثبته الانتصارات القادمة بإذن الله.

عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

الإسلاميون والثورات العربية



نص الكلمة التي ألقاها أحمد معاذ الخطيب الحسني في ندوة: الإسلاميون والثورات العربية، والتي عقدها مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة، وبثت على قناة الجزيرة مباشر، بتاريخ 11 أيلول 2012:
خروجا عن أعراف الندوات، فإني أطلب من الجميع الوقوف للدعاء، إجلالاً لشهداء ودماء شعب سورية العظيم التي تنزف تحت سمع العالم وبصره.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد:
سورية تكاد تكون لُب العالم وروحه، بما جمعته من مكونات حضارة تمتد إلى عشرة آلاف عام، ومنها امتد الإسلام إلى الدنيا، ومازالت فيها أعرق كنائس الأرض، واستطاعت بشكل مدهش أن تضم كل المدارس الإسلامية الأم من الغزالي إلى ابن تيمية فابن عربي، وأردفت ذلك في العصر الحديث بجمال الدين القاسمي وطاهر الجزائري ومحب الدين الخطيب ومحسن الأمين.
سورية تختلف ثم تلتئم، وتمضي في صناعة نسيج اجتماعي فريد.
يُصنف البعض التيار الإسلامي في سورية إلى ثلاثة أقسام:
1- تيار ديني مدرسي.
2- تيار سياسي حزبي.
3- تيار شعبي عفوي.
التيار الشعبي سبق الجميع في البحث عن بنية الدين العميقة، ومفاهيم التسامح والحرية والعدالة، متخذا من رصيده العميق وبعض مرجعياته الشرعية غير متداوَلة الأسماء بنية فكرية وأخلاقية يتحرك بها.
لابد لفهم صعود التيارات الإسلامية في سورية من إدراك خصائص الشعب السوري، فهو شعب متسامح متدين منفتح على الجميع يرفض التطرف والظلم بطبعه، ويصبر ثم يتدفق، وقد انعكست هذه الخصائص على الحالة الراهنة التي لم يُدرك ماهيتها النظام الاستبدادي الذي جعل نفسه وصياً على الشعب خمسين عاماً.

يحيط بالتيارات الإسلامية مع شركائها من القوى الأخرى عوامل تولد سلبيات كبيرة ومن أهمها:
  1. ضعف الإدارة السياسية للأزمة، ومصادرة جزء منها لحساب قوى مختلفة تحاول الهيمنة على قرار الشعب السوري.
  2. التشويه الإعلامي للحراك السوري وخصوصاً الإسلامي بتصويره بؤرة للتطرف والإرهاب والأصولية، ويشارك في هذا التشويه إعلام النظام وبعض الأجهزة الإعلامية الغربية. لايوجد فكر تكفيري في سورية ولا يمكن أن ينجح ولا مستقبل له.
  3. محاولة بعض القوى الإسلامية المدعومة بالمال توجيه الساحة غافلة عن خصائص التدين الذي بلوره علماء بلاد الشام وشعبها خلال السنين، والذي هو منظومة حضارية متكاملة.
  4. تطرف بعض القوى العلمانية مستغلة علاقاتها الدولية والإعلامية لتجاوز الواقع وتصويره حسب أهوائها.
  5. عدم إدراك كثير من القوى الإسلامية أن سورية قد أصبحت ساحة للصراعات وتصفية الحسابات الدولية، وبذا يكاد يخرج القرار بالكلية من يد النظام أو يد الحراك الثوري السوري.
  6. أصبح واضحاً أن سورية يراد لها أن تخرج مدمرة البنية التحتية، منهكة القوى الاجتماعية، مشوهة الصورة الإسلامية، عاجزة القوى الأخرى، لصالح قوة اقليمية معروفة [إسرائيل]، وقد وقع طرفان في الأزمة، فكان أكبر فخ وقعت فيه الثورة هو الانجرار إلى حمل السلاح، وكان أكبر فخ وقع فيه النظام هو استخدام العنف المتوحش ضد شعب من أكثر شعوب العالم مدنية ورقياً.
  7. إن النظام بغروره وصلفه لم يُبق للشعب السوري طريقاً إلا حمل السلاح، فحمله مكرهاً يدافع عن دينه وعرضه وماله. إن الثورة السورية ليست ثورة عسكرية … ثوار سورية سلميون، وأذكر بهذه المناسبة شهداء مجزرة داريا التي كتب عنها روبرت فيسك مقالاً مجحفاً يعكس فيه رؤية النظام، متجاوزاً فيه ألفاً ومائة شهيد من الأبرياء سقطوا فيها، ومتناسياً غياث مطر شهيد سورية العظيم الذي كان يحمل الورود والماء البارد لأفراد النظام فقوبل بالاعتقال والتعذيب حتى الموت (كان يوم البارحة هو يوم الذكرى الأولى لاستشهاده بتاريخ 10 أيلول 2011).
  8. يحاول النظام تدمير الحامل الاجتماعي للثورة عن طريق تدمير المدن والتهجير والإفقار، غافلاً عن أن الدمار سيصيبه بشكل أوسع، والشعب قادر على الاستمرار، أما النظام فهو يدفع نفسه إلى الانتحار. [لا يمكن لثورة مهما طالت أو قويت أن تنتصر في حال عدم وجود حامل اجتماعي]، لذا فإن دعم الشعب السوري اجتماعياً ومادياً مهم إلى حد بعيد.
  9. لقد أصيب الحراك بنوع من العقم السياسي بسبب تصريحات معارضين اتخذوا من الشتم والسُباب للنظام واجهة لنيل الشعبية، وإذا كان الشارع معذوراً في تصرفاته بسبب آلامه، فإن النُخب السياسية مدعوة إلى ترشيد الشارع وقيادته بشكل سليم.

وبالمقابل فهناك إيجابيات كبيرة في الحراك الثوري السوري من أهمها:
  1. حجم التضحية الذي قدمه الشعب السوري (واسمحوا لي أن أطلق عليه اسم: أشجع شعوب العالم)، وقد دفع الشعب ثمناً غالياً لحريته، ولذا فلن يتراجع عن طريقه بعد كل هذه الآلام والعذابات.
  2. رغم كل حاولات جر الساحة إلى حرب طائفية، فإن الساحة لاتزال عصية على الانجرار الطائفي. إن الأزمة هي بين نظام استبدادي وشعب يتوق للحرية، وأقول بكل صراحة أن هناك قوى عالمية تحاول بكل الوسائل إيقاظ هذه النعرات بشكل حاد، من خلال دندنتها حول الأقليات وحقوق الأقليات. ولقد أصبح واجباً الحديث عن حقوق الأكثرية المغيبة، وليس فكر الثورة فكر الانتقام من أحد، بل يطالب بالعدل والمحاسبة لمن أساء، فهو حراك الحرية ضد الظلم وليس ضد فئة معينة.
  3. أوجدت الثورة السورية التحاماً رائعاً بين كافة مكونات الشعب السوري، وأبرزت للجميع آلام الجميع .. فلقد أحس الشعب السوري بآلام الأمة العميقة.. بمكونه الأساسي المغيب خمسن عاماً [أهل السنة الذين يشكلون الوعاء الأكبر الذي يضم كل مكونات المجتمع] .. أحس الشعب السوري بقلق المسيحيين ومشاركة العديد منهم في الحراك، وأنهم أعطوا سورية خلال السنين نكهة حضارية مميزة … وأحس الشعب السوري بآلام شعب الأكراد العظيم، والذي طوى آلامه عشرات السنين، وتتنازعه القوى العالمية متخذة منه جسراً إلى مآربها، ومازال عقلاؤه وهم كُثر يترفعون عن هذا الفخ المريب .. لقد أحس الشعب السوري بأجزائه كلها.
  4. أبرزت الأمة قيادات سياسية وشرعية غير معروفة من قبل، ولكنها تبشر بخير عميم، إذ تتصدى رغم طاقاتها المحدودة إلى نوع من الهمجية غير المسبوقة.
  5. أدت الثورة إلى إبعاد النمطية الفكرية، وقد تقدمت مفاهيم العدالة والمدنية والمواطنة .. وحتى الوطنية الحقة، وأتوقع خلال سنوات أن يقدم القادة والمفكرون الشباب لوناً من الفكر الحضاري المتقدم اللائق بسورية العريق.
  6. تتجه المجموعات العاملة على الأرض إلى المزيد من التوحد وإن لن يكن فإلى التنسيق، وأقول للإسلاميين والعرب وأخص الجاليات السورية في العالم بأن شعبكم بين خيارين: إما مذابح يومية ودمار شامل وتحطيم لبنيتكم التحية، أو ارتهان لقرارات دولية، ووحدكم بتعاونكم وإمدادكم شعبكم بالفكر والمال وكل أنواع القوة قادرون على تجاوز ذلك وبناء سورية المستقبلية والحرة.
  7. لقد خرج الشعب السوري من قمقم الوصاية لذا فإنه يرفض الوصاية الإيرانية والروسية والغربية، وقرار الشعب السوري سيتخذه الشعب السوري وحده.
  8. الشعب السوري رغم ربع مليون معتقل، وما يقارب خمسين ألف شهيد. رغم أكثر من مليوني مهاجر في الداخل وما يقارب مليون مهاجر إلى الخارج. رغم عشرات ألوف المعوقين والجرحى والمصابين .. رغم التشريد والثُكل واليُتم .. رغم كل ذلك فلا يزال ينادي بالحرية، وقد كان الأسبوع الماضي ذو دلالة مميزة إذ تجددت المظاهرات السلمية في كافة أنحاء سورية.
آلام الشعب والثورة أعظم من أن توصف، ولكن معنوياته أكبر من أن تتوقف، وستتابع طريقها معتمدة بعد الله على أمة صابرة وشعب عنيد لايرى دون الحرية سبيلاً.
بعد كل ذلك أقول: إننا مازلنا نبحث عن حل سياسي تجنيبا للبلد مزيداً من الدمار.
إن الحوار قد انتهى أوانه بعد مماطلة النظام في فتح أبوابه كسباً للوقت، ولكن التفاوض هو خيار عقلي وشرعي وسياسي لا يجوز القفز فوقه.
ليس التفاوض استسلاماً للباطل، بل اختيار لأقل الضررين، ووحده الشعب السوري الذي يعاني ويدفع من دمه كل يوم يفهم ما أعنيه تماماً، وإن التفاوض ليس إنقاذاً للنظام بل تفاوض على رحيله بأقل الخسائر لبلدنا الذي نحب، وضمن ضمانات دولية تشترك فيها الأطراف الإقليمية والدولية دون وصاية.
وأكرر أننا لا نريد ولا نرضى بالدمار ولا القتل، لأن هناك من يريد أن يصفي الشعب السوري بعضه بعضاً، ليتدخل بعدها فارضاً الوصاية والهيمنة.
وأخيراً فإن الربيع العربي هو بداية الطريق وليست نهايته، فالسياسة والحكم ماهي إلا وسائل وأمام الإسلاميين تحدٍ مستقبلي وهو تقديم نموذج حضاري إسلامي رائد، هدفه الأخير هو الإنسان الذي كرمه الله.
(والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
والسلام عليكم ورحمة الله.

الأحد، 16 سبتمبر 2012

أنا لست مؤيداً للنظام




كلمة نسمعها لدى بعض من يريد أن ينفي عنه وزر ما ترتكبه آلة القتل والتدمير الهمجية من مجازر بحق شعب صدح بالحرية وطالب بالكرامة والعزة والعنفوان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، عبارة باردة تحمل في طياتها تلبد في المشاعر وانعتاق من الإنسانية وتجمد أطراف الروح ، عبارة خاوية كأعجاز نخل ،تعجب بها واقفة  ، ولكنها ما تلبث أن تنهار على وقع دمعة أم ثكلى ، أو طفل ينزف  ، أو شهيد مجلل بالأقحوان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، ولكنني أرضى بالذل والهوان .
أنا لست مؤيداً للنظام ، ولكنني أستظل بجدار الخوف والحرمان .
أنا لست مؤيداً للنظام ، ولكنني أخاف الانعتاق من نير السلطان .
أنا لست مؤيداً للنظام ، لا تهمني كرامتي .....لا تهمني حريتي ولا أعرف معنى المواطنة لأنها ليست موجودة في دفاتري  ، ولم أمارسها في حياتي ،ولا أريدها لأطفالي ولا حتى للجيران .
أنا لست مؤيداً للنظام ، أريد فقط أن أجد قوت يومي وأن أنام خارج القضبان .....ولو على نعل كلب من حاشية السلطان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، افهموني !!!!!..... أريد الأمن والأمان ......ولو بخوف .....ولو بجوع ........ولو كانت ضريبته النسيان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، تعودت الذل ، تعودت العبودية ، تعودت القهر ، تعودت الظلم ، تعودت أن لا أكون إنسان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، لا تلوموني لا أطيق العيش دون جلادي ، فالعبد ممنوع عليه العصيان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، لا استطيع أن أعبر عن رأيي لأنني بصراحة ....جبان.
أنا لست مؤيداً للنظام ، ولست شبيحاً(1) أو منحبكجحشياً (2) ولست محسوباً على الشجعان.

أنا لست مؤيداً للنظام ، عبارة تقال يومياً من أشخاص هم أسوء أخلاقياً ونفسياً من القتلة أنفسهم ، لأن ذلهم وانكسارهم بات يستخدم ضد الأحرار الذين اختاروا طريق الانعتاق من الاستبداد ، طريق من يتطلعون لسوريا حرة مدنية ديمقراطية تعددية تحفظ حقوق الإنسان.

عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر

(1) شبيح : كلمة معناها المرتزقة المأجورين المسلحين التابعين لآلة القتل الممنهج ،وتعتبر جزء أساسي من مكونات العصابات الأسدية.
(2) كلمة ظهرت في قاموس الثورة السورية وهي عبارة عن دمج كلمتين " منحبك " التي ظهرت في أغنية أطلقتها شركة سيرياتل لتعبيرها عن تأييد الجحش الأكبر ....بشار الوحش ،ومن هنا جاءت الكلمة الثانية " جحش "  فتم دمج الكلمتين لتظهر كلمة منحبكجحشية وهي تقال لمؤيدي النظام، وهم ليسوا أقل سوءاً من الشبيحة.