الأربعاء، 9 مايو 2012

حبيبتي والثورة

حبيبتي والثورة

في اليوم الذي دعت فيه صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد للتظاهر في يوم 18 شباط أمام مبنى البرلمان في دمشق  انتابني فضول شديد لأعرف ماذا سيحدث في ذلك اليوم، لذلك قررت أن أراقب الحدث من بعيد عن طريق التواجد في المنطقة عند أحد أصدقائي الذين يملكون محلات تجارية هناك، طبعا وكما كنت أتوقع لم يتواجد أحد بتاتا سوى رجال الأمن الذين غطوا المنطقة بالكامل ، طبعا سبق هذا اليوم مظاهرة في سوق الحريقة وتم اطلاق هتافا مشهورا فيها وهو " الشعب السوري ما بينذل " وقد كان شعوري ككل السوريين الأحرار رائعا لا يوصف ، ولكنني كنت اعتقد وبشدة رغم ذلك أن الشعب السوري لن ينتفض أبدا لكرامته بسبب الخوف والقمع الشديد والقبضة الأمنية المخيفية التي يمارسها النظام بحق المواطنين.
لقد دار نقاش بيني وبين صديقي في ذلك اليوم عن هذا الموضوع وقد قلت له ضاحكاً أنه يمكن أن تقوم ثورات في كل دول العالم إلا في سوريا.
وجاءت الدعوة إلى يوم الغضب في 15 آذار وانطلقت المظاهرة في دمشق من الجامع الأموي، وتم قمعها بشكل شديد بالهراوات والعصي الكهربائية ، وتم اعتقال الكثير من الناشطين الأبطال ، ولكن لم يتغير رأيي في تللك الفترة بأن الثورة لن تقوم في سوريا وبأن تلك المظاهرات ما هي إلا فلتات عابرة لن تحدث أي تغيير.
إلا أن جمعة الكرامة في 18 آذار قد أحدثت فرقا كبيرا عندما انطلقت من درعا الأبية حين قدمت أربعة شهداء لتنطلق الشرارة الأولى للثورة السورية.
هنا حدث الفرق كبير، فالنظام السوري الغبي كعادته اطلق النار على المشيعين في اليوم التالي واسقط المزيد من الشهداء فزاد هيجان الثورة اتقادا.
وعندما اقتحم رجال الأمن الجامع العمري في درعا وعاثوا فيه حرقا وقتلا ودمار ، عندها ايقنت أن الثورة قد غرست جذورها في تربة الوطن وأن اقتلاعها بات ضربا من المستحيل.
عندها فقط آمنت بأن هناك ثورة حقيقية تحدث على الأرض فتعاطفت معها ولكن حاجز الخوف لم ينكسر عندي بعد ، فكنت اتابع الأخبار بشكل حثيث دون أن أشارك بالثورة لا من قريب ولا من بعيد ، ولكن كان لدي شعور بالأمل بأن الحرية قادمة.
لأول مرة بحياتي أشعر بتعاطف كبير مع أبناء وطني ، لأول مرة أشعر بانتماء لتراب هذا الوطن ، لأول مرة أشعر بأن كل ثائر هو أخي وأبي وابني ، كان قلبي يعتصر ألماً لكل قطرة دم تراق من أجل حرية هذا الوطن.
هبت بانياس لنصرة درعا ، وهبت دمشق لنصرة حمص ، وهبت ادلب لنصرة دير الزور وهبت القامشلي لنصرة اللاذقية ...... كانت ملحمة وطنية جامعة لم أرى لها مثيل في تاريخ سوريا الحديث ، هذه اللحمة الوطنية هي أعظم مكسب من مكاسب الثورة حتى الآن ، علما بأن النظام حاول جاهدا على مدى أربعة عقود بأن يفككها ويرسخ بدلاً عنها مناطقية بغيضة مقرفة بين أبناء البلد الواحد.

وعندما ألقى الأبله خطابه في مجلس الشعب بتاريخ 30 آذار وجدت نفسي تلقائيا ثائراً من الثوار حيث اجتاحتني موجة عارمة من الغضب الشديد الممزوج بالدهشة المقهورة من سذاجة فجة غبية.
لقد ادخل هذا الخطاب الشهير الكثيرين مثلي في الثورة وفاعليتها وأنشطتها، حيث كنا مجموعة من الشباب المتنوعين مناطقيا والمتنوعين سياسيا ومنا غير المسيسين أصلاً ومنا المتدينيين ومنا الملحدين ، كان منا المؤمنين بخط الاصلاح ومنا المطالبين باعدام السفاح.
كنا نجتمع كل مساء تقريبا إن لم يكن كلنا فأغلبنا كان مواظبا على الاجتماع رغم الظروف الأمنية الصعبة، وبالنسبة لي فإن حبيبتي هي السبب وراء اندفاعي للثورة وتطلعي لأهدافها وإيماني الشديد بها.

لكل منا أسبابه، أحدنا كانت أسبابه شعوره بالظلم الشديد والقهر ، آخر شعوره بالاتماء ، وغيره شعوره بالمشاركة ، أما أنا فعندما يسألونني ما سبب انضمامك للثورة أقول لهم : من أجل حبيبتي.

كانت حلقات نقاشنا معا تتصاعد وتتخابط حسب تتالي أحداث الثورة ، والظروف الأمنية غيبت البعض منا ، واعتقل آخرين ، وتغيرت مواقف بعضهم ، واشتدت مواقف الآخر ، أما بالنسبة لي فأن حبي الشديد كان يقويني وتمسكي بحبيبتي كان يملئني إيماناً وعزيمة واصراراً بنجاح الثورة وتحقيق أهدافها في الوصول إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية تحقق الكرامة والعدالة والمساواة لجميع مواطنيها.
هذا الحب القوي الذي لم أكن أعرفه قبل الثورة جعلني امتلئ طاقة وعزيمة واندفاعا ، كانت حبيبتي تقويني عندما أضعف ، كانت تواسيني عندما أحزن ، كانت تقف معي دائما حتى في أصعب الأوقات وأكثرها إيلاما.
وعندما أصل إلى نقطة الصدمة تقف حبيبتي في وجهي تمد زراعها لكي تلتقطنني من بحر الهزيمة وترفعني إلى أرض النصر والثبات.
هكذا كانت حبيبتي ومازالت معي تلهمني في جميع المواقف، فعدما كنت التقي الثائرين كان طيفها معي ، أشعر بوجودها في كل مكان وعندما أضعها في نصب عيني كنت أشعر بالانتصار والزهو في كل المعارك التي كنت أخوضوها.
استطعت الصمود بفضلها في وجه التطرف والإقصاء في وجه النفاق والانكسار في وجه التزلف والعبودية.
كانت حبيبتي تقول لي دائما إن هذه الثورة هي ثورة العزة والكرامة ، إنها ثورة الحرية والانعتاق ، إنها ثورة الشعب السوري العظيم.
كنت استلهم كلام حبيبتي دائما في نقاشي مع الثائرين : فمنهم من وهنت عزيمته فيقول كفى فالنعد إلى بيوتنا فثورتنا حققت أهدافها وهاهو طريق الاصلاح قد انطلق وما تحقق كافي !!!!!!!!!!
فأقول له وماذا عن دماء آلاف الشهداء الذين سبقونا إلى طريق الحرية ، أتذهب دمائهم هدرا ؟؟؟؟؟؟
بل نحن على طريقم سائرون حتى نحقق النصر الأكيد ، ولن نخون عهدهم أبداً.
ومنهم من يقول بأن القتل وسفك الدماء يحتاج إلى رد مماثل كي تستطيع ردعه ، فأقول : أهذه هي حقا القيم التي ثرنا وخرجنا من أجلهاّ!!!!!!!!!!!!!
ألم نخرج ضد الظلم والكراهية والعدوان ، ألم نثر ضد آلة القتل والقمع والهمجية ؟
أنكون ثائرين ضد هذا كله وبعدها ننقلب إلى ما ثرنا ضده!!!!!!!!!!!!
إن ثورتنا قامت على أسس سامية قائمة على المحبة والسلام والتسامح ، ألم تروا أطفال درعا يحملون أغصان الزيتون في تظاهراتهم ، صحيح أنهم جوبهوا بالرصاص الحي واعتقلوا وعذبوا حتى الموت ورجعوا إلى أهليهم جثث هامدة ، ولكن ألم نسأل أنفسا يوما لماذا يقوم النظام بذلك؟
لماذا يرجع الجثث وآثار التعذيب والتنكيل موجود على أجساد شهدائنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إن الجواب واضح تماما : إن هذا النظام يريد أن يدفعنا إلى الكراهية والبغض والحقد ، يريد أن تمتلئ قلوبنا بالشر المستطير لكي يغيب العقل تماما وهنا توقع الكارثة.
إن حق الدفاع عن النفس هو مشروع في كل الشرائع والقوانين الدولية والمحلية ، ولكن هذا الحق لا يعني أبدا أن تقوم بالمبادرة إلى الانتقام والتدمير وسفك الدماء واغتصاب الحقوق وحرق الممتلكات ، فهنا يكون العقل غائبا والغريزة حاضرة.
إن حبيبتي تألمت كثيراً من هذه المشاهد الكريهة، تألمت وتألمت معها، بكينا معا على أشلاء شعبنا مرمية على ناصية الطرقات لم تجد من يدفنها لم تجد من يحضنها لم تجد من يوواريها تحت التراب.
تعاظمت التجاذبات بين الثوار ، وبدأت خطابات التخوين والتفرقة ترتفع ، وكنت أنا وحبيبتي ننأى بأنفسنا ونترفع عن هذه السجالات .
وظهرت تيارات كثيرة مختلفة على الساحة ، فمنهم العلمانيون ومنهم الاسلاميون ........... منهم المتطرفون ومنهم المعتدلون ........... منهم الذين يتمسكون بسلمية الحراك الثوري ومنهم من يطالب بالتسلح من أجل الخلاص .
لم أكن يوما على خلاف مع أي طرف منهم ، كانوا جميعا إخوتي لأن هدفنا واحد فما كان لأحد منا أن يكفر الآخر أو يقصي الآخر أو يخون الآخر .
كنت أقول لحبيبتي في المساء لماذا يتقاتل أبناء الوطن الواحد!!!!!!!!!!!!!!!
لماذا هذا التشرذم والخلاف فيما بينهم ، أليسوا جميعا يسعون لهدف واحد ، فكانت تجيبني وتقول لي : اصبر فأن هذا الأمر عابر ولن يؤثر على مسار الثورة  فكلهم جاءوا من رحم الثورة.
كانت تبتسم لي في كل مساء لكي تقوي من عزيمتي كي استيقظ في الصباح وكلي آمل من أجل أن أراها حرة قوية عزيزة أبية.

عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق