القائد والثورة
انطلقت شرارة الثورة السورية من درعا فانتشرت كالنار بالهشيم في جميع المحافظات والمناطق السورية ،مع أن النظام الأسدي حاول جاهداً أن يخمد نارها منذ انطلاقتها ،فانتهج الحل الأمني ظناً منه أنه قادر على قمع إرادة الشعب المنتفض لكرامته ، فكان شعار " الموت ولا المذلة " هو أول الشعارات الخالدة بذاكرة الثورة السورية.
إن عدم وجود قائد للثورة كان من أحد ايجابياتها في البداية، حيث لم يستطع الجهاز القمعي الأسدي معرفة من يلهب جماهيرها ، من يديرها ، من يوجهها ، من يدفع هؤلاء الثوار كي يواجهون الموت بصدور عارية !
سؤال حير النظام كثيرا، فابتدعوا الكثير من الأوهام، قالوا سلفيين .... يريدون إنشاء إمارة في درعا ، واعتقلوا الشيخ أحمد الصياصنة ظناً منهم بأن اعتقاله سيخلصهم من شبح أوهامهم ، ولكن الذي حدث ،هو العكس تماما حيث تحولت أوهامهم إلى كوابيس، ثم قالوا إنها القاعدة ، ثم أردفوا بأنها عصابات مسلحة مجهولة الهوية والهوى.
كل هذه المحاولات الفاشلة أوصلت النظام إلى حائط مسدود ، هذا الحائط أفقد النظام عقله فأصبح ينطحه كالثور الهائج عله يستطيع كسره وتحطيمه، ولكن هيهات أن ترى من الشعب السوري انكسارا.
ومع استمرار الثورة ظهرت معارضات كثيرة استثمرت جهود شبابها وتضحياتهم استثماراً سياسياً بخساً، مستغلة عدم وجود قيادة لها، وحصلت مخاضات كثيرة لينتج عنها عدة هياكل يدعي كل منها تمثيل الثورة ، فجاءت هياكل كرتونية جوفاء ليس لها أي تأثير واضح على الأرض.
وبالرغم أن المجلس الوطني السوري كان أكثر تماسكا من غيره ، إلا أن الخلافات الداخلية أدت إلى فقدان الكثير من الثوار ثقتهم بهذا المجلس وبغيره من الهياكل الأخرى، ومع ظهور الجيش الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد ، حاول المجلس أن يكون واجهة سياسية له على استحياء شديد مما أدى إلى فقدان الثقة بين الطرفين ، حاول المجلس رئبها لكنه لم يستطع.
إن ظهور الخلافات بين أطراف المعارضة وبين الجيش السوري الحر إلى العلن ، أدى إلى إحباط شديد لدى الثوار مما دفعهم إلى التفكير بحل لهذا التشرذم المعيب والمخجل.
فعدم ظهور شخصية قيادية بارزة إلى السطح أفقدت الثورة الكثير من زخمها ،رغم التضحيات الجسيمة التي يقدمها الشعب السوري من أجل إنجاح هذه الثورة المباركة.
واستمرار الوضع على ما هو عليه سيوصل الثورة إلى منعطف خطير جداً ، فأصبح من الضروري في هذه المرحلة ظهور شخصية قيادية تأخذ زمام المبادرة وتخرج من إطار ردة الفعل ،وتحقق أهدافها في الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية تعطي الحقوق إلى جميع مواطنيها دون تمييز.
والسؤال المطروح هنا : من هي هذه الشخصية القيادية ،ماهي صفاتها ، من هم أهم القادة السياسيين في العالم وكيف ظهروا وكيف قادوا شعوبهم؟
من منا لا يعرف تشي جيفارا ذاك الطبيب الذي انضم إلى الثورة الكوبية، ومن ثم أصبح رمزا ثوريا عالميا ، من منا لا يعرف مهاتير محمد ذاك الطبيب الذي قاد تحولاً ثوريا اقتصاديا في بلاده ، من لا يعرف لينين الذي قاد الثورة البلشفية وقد كان يركب قطار العودة من باريس إلى موسكو دون أن يعرف أن الثورة قد اندلعت في روسيا القيصرية.
المقصد هنا أن القائد يولد بالصدفة ،هو نفسه في البداية لا يعرف بأنه سيكون قائدا، ولكن الصفات التي يحملها في جنبات روحه تأهله للقيادة والمبادرة وتحمل المسؤولية.
القائد يسير ويتبعه مؤيدوه، القائد يتخذا القرار ولا يتردد ، القائد لا ينتظر تلقي الأوامر ، القائد يضع هدفا ويصبوا لتحقيقه بشغف يأسر المتطلعين إليه.
إن القائد يقنع الآخرين من خلال مبادرته، تواضعه ، فطنته ، ضبطته لنفسه ، شجاعته ، إخلاصه ، حكمته ، وإيثاره ، ولا ننسى حسن التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
أنا أدعو كل ثائر حر يجد في نفسه هذه الصفات بأن يتقدم لأخذ زمام المبادرة، وأن يبدأ بالتخطيط وأن يحدد أهدافه ويسعى لتحقيقها وسيجد بأن الآخرين يتبعونه ويلتزمون أفكاره وآرائه ،وسيسعون لتحقيقها وسيقدمون الغالي والرخيص لفعل ذلك.
هكذا يولد القادة الجدد ، بالإخلاص والعمل والتفاني.
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق